SHADOWS AND PHANTOMS

Mohammed Rouda's
رونالد ريغان من صف الملوك إلى رئاسة الجمهورية
إثر وفاة الرئيس الأسبق رونالد ريغان، سنة 2004، تداعت وسائل الأعلام الأميركية للإحتفاء به كزعيم سياسي. كانت له حسناته، على الصعيد الإقتصادي وصعيد تحسين العلاقة مع الإتحاد السوفييتي، وسيئاته، على صعيد السياسة الخارجية ومنها تأييده للنظام العنصري في جنوب أفريقيا وضربه النقابات والإتحادات العمالية في اميركا.
في الوقت ذاته. كتبت عنه، حين رحيله، معظم المجلات الفنية والسينمائية الصادرة في الولايات المتحدة لا على أساس أنه رئيس جمهورية فقط، بل على أساس إنه كان ممثلاً معروفاً.
الحقيقة هي أنك تستطيع أن تراه في دورين او ثلاثة جيدة، لكن ريغان لم يكن ممثلا فريد الموهبة. كان نمطياً من جملة الممثلين الكثيرين الذين صنعتهم ظروف التواجد في الوقت المناسب في المكان المناسب. وهو لم يستطع أن يكون جون واين في سينما الغرب، ولا غاري غرانت في سينما الكوميديا العاطفية او جيمس ستيوارت في الدراما ولا لي مارفن في الأفلام الحربية رغم أنه مثّل في كل هذه الأنواع.
كان ريغان ممثلا يمكن استخدامه في أي نطاق وإعطائه أي دور قائم على الترفيه. كان جيدا في حدوده ونطاقه. بكلمات أخرى، كان لا يجعلك تكره تمثيله على الرغم من أن هذا التمثيل كان يكتفي بالمعطيات المبسّطة للفن.
مع وورنر
ولد رونالد ريغان في ولاية إلينوي في مدينة صغيرة أسمها تامبيكو سنة 1911. والده كان بائع أحذية وأمه كانت ربة بيت صبورة على إدمان زوجها الشرب. رونالد أظهر موهبة في لعبتي كرة السلة وكرة القدم كما في الركض ولو أن التمثيل داعبه منذ أن ظهر في مسرحية مدرسية في مطلع عشرينات القرن الماضي. لكن الرياضة بقيت مثار إهتمامه فوجد عملا في محطة إذاعية صغيرة تبث النشرات الرياضية. في ربيع العام 1937 اكتشفه كشّـاف مواهب (مهنة لم تعد موجودة) واقترحه على شركة وورنر التي أجرت له إختباراً نجح به وفاز بعقد قيمته 200 دولار في الأسبوع.
الدور كان جاهزا. وورنر كان لديها فيلما عاطفيا أسمه "الحب في الهواء" Love is in the Air وفيه شخصية مذيع بدت للجميع ملائمة لهذا الوافد الجديد. بعده "الحب على الأثير" تتابعت أفلام أخرى لا قيمة لها: كان جنديا في "سيرجنت مورفي" [إخراج ب. ريڤز إيسون، 1938] وبحّـارا في "الغواصة D-1" (لكن مشاهده القليلة تم قصّها وتركها في أرض غرفة المونتاج). وفي العام التالي شوهد في "راقص إمرأتك" [Swing Your Lady، راي إنرايت] ومثل دور مذيع مرة أخرى في فيلم "هوليوود هوتيل" [بزبي بركلي، 1937] لكن الدور كان قصيرا لدرجة أن إسمه لم ينزل في عداد الممثلين.
حظه كان أفضل قليلا في فيلم Accidents Will Happen/ "الحوادث ستقع" [وليام كليمنز، 1938] قبل أن يظهر في "كاوبوي من بروكلين" [لويد باكون، 1938] ثم دور آخر كمذيع على الهواء في "دكتور كليترهاوس العجيب" [أناتول ليتڤاك، 1938]. وحسب أنباء ذلك الزمان أن الاستديو صوّر ريغان في مشاهد عدّة، لكنه عاد فاكتفى بصوته آتيا من جهاز الراديو في بضع مشاهد ومن دون ورود إسم الممثل في عداد الممثلين.
قبل وبعد الخدمة
في تلك السنوات الثلاث الأولى ظهر ريغان في عدة أفلام بلا إسم في المقدّمة، بسبب صغر الدور أو لم يظهر نسبة لحذف مشاهده. التغيير للأفضل جاء في العام 1939 عندما عرض له فيلم بعنوان Brother Rat /"الأخ جرذ": دراما اجتماعية منفذة على نحو مقبول وذات منحى بوليسي من المخرج وليام كايلي. الدور الأول من نصيب إيدي ألبرت، وكان ممثلا جديدا بدوره آنذاك. لكن وورنر انتبهت، مجدداً، الى خامة معقولة في إداء ريغان فأسندت له دوراً بارزاً في دراما أخرى عنوانها "نصر داكن" | Dark Victory [إدموند غولدينغ، 1939] . على أن ما أفرزه "الأخ جرذ" من فوز خاص لم يكن في إطار الأفلام بقدر ما كان خارجها. ففي ذلك الفيلم تعرّف رونالد على الممثلة جين وايمان وتزوّج منها في العام 1940، وهو العام الذي لعب فيه أول فيلم وسترن وهو "خط سانتا فاي" مؤديا شخصية الجنرال ويليام كاستر (الذي قتله هنود السيوكس في معركة شهيرة خاضها رغم تحذيرات ضباط آخرين). هذا الفيلم كان من إخراج مايكل كورتيز الذي قام بعد عامين بتحقيق فيلمه الأشهر «كازابلانكا».
مع «خط سانتافي» أخذ يصعد سلم الأولويات بين الممثلين ويفوز بالأعمال الرئيسية. أفضل إداء له في تلك الفترة كان في فيلم "صف الملوك"| King's Raw [سام وود، 1940] وكان يستطيع أن يستثمر نجاحه على نحو أسرع وأفضل لولا قرار الولايات المتحدة الإشتراك في الحرب العالمية الثانية وتوجهه للخدمة العسكرية. حين تبيّن للممتحنين أن نظره لا يساعده على توجيه الطلقات إختارته للعمل في حقول التدريب والتصوير السينمائي. وهو بقي في الخدمة حتى العام 1947 عندما تم تسريحه وإعادته الى الحياة المدنية.
ريغان رغب في مواصلة طريقه في التمثيل الذي كان بدأ يقطف ثماره قبل إنخراطه في الجيش. لكن أفلامه من العام 1947 وصاعدا لم تمنحه الخطوات التي كان يحتاج إليها. أدواره، مثل الأفلام التي قام بتمثيلها، لم تكن متساوية القيمة: لعب دورا مساندا في "الفتاة من جونز بيتش" (1949) ودور بطولة مشاركة في "القلب المتسارع" (1951) وشوهد في "هونغ كونغ" (1952) و"وقت النوم لبونزو"(1952) وفي دور بروفسور (!) في "تشق طريقها صوب الكلية" (1952) لكنه قاد بطولة "منطقة استوائية" | Tropic Zone [لويس ر. فوستر، 1953].
لعب بطولة فيلم وسترن جيد في ذات السنة هو "القانون والنظام" Law and Order إخراج ناتان جوردان (مثل المخرج فورستر حقق جوردان الكثير من أفلام الوسترن من دون أن يحقق عبرها الشهرة). تبع ريغان ذلك الفيلم بآخر ناجح هو "ملكة الماشية في مونتانا" [للكلاسيكي ألان دوان، 1954] ثم بفيلم حربي عنوانه "فهود البحرية" [جوردان، 1961].
أقصى اليمين
سنة 1964 مثّل "القتلة"، فيلم بوليسي داكن من إخراج دونالد سيغال وبطولة لي مارفن القاتل المأجور لتصفية خلافات عاطفية- جنائية ضحيتها بيرت لانكاستر. حسب القصة، فإن رونالد ريغان يرأس عصابة صغيرة تنوي سرقة شاحنة محملة بالمال على الطريق الجبلي البعيد. للغاية يستأجر موهبة شاب (جون كازافيتز) لكنه يلحظ إنجذاب زوجته (أنجي ديكنسون) اليه فيخطط التخلص منه على أي حال. هذه الخطة تفشل ولي مارفن يجيء ليستعيد المسروقات وينهي حياة رونالد ريغان. كان هذا أول دور شرير يمثله ريغان و... آخر دور له على الشاشة الكبيرة أيضا.
لكن حياة ريغان السينمائية كانت انتهت قبل دوره في "القتلة" عندما عاد من الحرب العالمية أكبر سنا وأكثر هماً وأقل شهرة. لم يستطع أن يردم ما فاته ولو أنه استطاع رفع أجره الى 1650 دولار في الأسبوع ثم الى 3500 دولار في الأسبوع إلى أن تخلصت منه شركة وورنر فتحوّل الى ممثل مستقل غير مرتبط باستديو معيّن.
على أن شيئا آخر غير التمثيل عاد ليطفو على سطح إهتماماته. فمع مطلع الخمسينات عاودته تلك الإهتمامات السياسية. وانضم الى جملة السينمائيين اليمينيين في حملة الأف بي آي للتحقيق في "النشاطات غير الأميركية"، كما سميت حينها وهي التي عُـرفت أيضا بالحملة المكارثية. ريغان ضلع بالدور السياسي الجديد على نحو واضح، لكن جون واين هو الذي قاد تلك الحملة من بين الممثلين التي سقط ضحيتها ممثلون وسينمائيون عديدون كانوا على الضفة الأخرى من الموقف السياسي. وسواء أكانوا شيوعيين فعلا، كما قيل فيهم، او مجرد يساريين فإنهم وجدوا أنفسهم أما في السجن او ممنوعين من الكتابة او هاربين الى المنفى، كما الحال مع تشارلي تشابلن وجول داسين وجوزف لوزي.
والذي أشيع حينها أن زوجة رونالد ريغان، الممثلة جين وايمان، لم تكن راضية عن انخراط زوجها في الحقل السياسي فطلبت الطلاق وهو فضّل خسارتها على أن يخسر موقعه الجديد. تزوج مرّة أخرى من ممثلة تعرّف عليها خلال تمثيله «فهود البحرية»، هي نانسي ديڤيز وأنجب منها وديه باتي ورونالد ريغان جونيور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|*| رغم أن حب الوصول إلى الكرسي الأبيض داعب خيال بعض الممثلين، إلا أن رونالد ريغان هو الوحيد الذي حقق ذلك |*| محمد رُضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
