SHADOWS AND PHANTOMS

Mohammed Rouda's
تطوّر الكاميرا السينمائية
ووظيفتها في العشرينات والثلاثينات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|*| أحد إبداعات السينما الأولى يكمن في كيفية تطور التصوير من مجرد ناقل لموضوع ماثل إلى تأليف حالات نفسية وفنية، وكيفية توظيفها لدفع قصة الفيلم إلي الأمام |*| محمد رُضا
العلاقة بين الفيلم والتصوير بدأت ميكانيكية. كاميرا بفيلم وحركة أمامها٠ في البداية كانت الكاميرا تقف ساكنة في المكان نفسه٠ الحركة أمام الكاميرا كانت أيضاً ساكنة بمعنى أنها كانت تعبيراً عن حركة تقع الآن في مكان واحد٠ إذا أراد المخرج الإنتقال الى موقع آخر، فإن ذلك سيلغي تماما الموقع الأول- هذا قبل أن يستنتج بعض صانعي السينما أنه -عبر المونتاج- يمكن تقديم حركة أ ثم القطع الى حركة ب والعودة الى أ لاستكمال ما كان يقع في تلك الحركة. كل حركة مشهداً كاملاً بذاته.
لنرى معاً فيلم د.و. غريفيث The Sealed Room | «الغرفة المختومة» (1909) ملك في قاعة وحوله حاشيته ومعه زوجته وهناك عازف كمان. يخرج الملك مع صحبه وتبقى الزوجة مع العازف وسريعاً ما يحتضنان. يعود الملك فجأة لكنه لا يضبطهما تماماً ولو أنه أحس بأن هناك أمرا ما يحدث وراء ظهره٠ يغادر من جديد. تمسك الزوجة يد العازف وتدخل معه المخدع السري المعزول بباب سميك. يعود الملك وينظر في أرجاء الغرفة الأولى. من هنا يتناوب القطع. لقطة له ولقطة لهما. يأتي الملك ببناة ويأمر ببناء جدار يغلق الغرفة على زوجته وعشيقها. مزيد من القطع بين البناء وبين العشيقين اللذين أصبحا حبيسا الغرفة و(في المفهوم) سيموتان معاً فيها.
كل ذلك بأسلوب بدائي ملحوظ لا دخل لغريفيث به لأن كل السينما كانت جديدة تتعلّم خطواتها بتدريج بطيء٠ والقطع عند غريفيث الذي لاحقاً ما أصبح تقليداً عنده، كان لا يزال يتعثّر بدوره ولو أنه تطوّر قليلاً أكثر في فيلم لاحق من العام ذاته عنوانه «زاية في القمح»/ A Corner in Wheat
|*| مسرح إختبار
ما سبق هو الإخراج والمونتاج. أما الإخراج والتصوير فإن العمل معاً صوب صورة فنية تأخر قليلاً وسلك سبيلاً مختلفاً٠
في البداية أخذت النيّة تتطوّر حيال الإنتقال من صورة عامّـة الى صورة قريبة لكي تعكس ما على الوجه من مشاعر في لحظة خاصّة (دهشة، رعب، زعل الخ...) والإقتراب من الممثل كان مفتاحاً للإعتناء بكيف سيظهر ذلك الممثل جمالياً (جمالياً هنا تعني الماكياج الخاص قبل الجمال الطبيعي). هذه العلاقة اكتشفها مبكراً مدير التصوير النيّر جيمس وونغ هاو (صوّر ما بين 1919 و1975 ما لا يقل عن 144 فيلماً) عندما تحوّل من مهنة التصوير الفوتوغرافي الى التصوير السينماتوغرافي ملاحظاً إمكانية نقل العناية الخاصّة بالموضوع الماثل ومحيطه من اللقطة- الفردية الى اللقطة المشهدية للسينما.
مثله آرثر أيدسون الذي صوّر نحو 140 فيلم ما بين 1914 و1966 (من بينها -مثلاً- «كازابلانكا»)٠ إيدسون أدرك، باكراً، العلاقة (التي تبدو لنا طبيعية) بين شروط اللقطة الفردية واللقطة السينمائية واستوحى الكثير لأجل تطوير الثانية فنّياً٠
كان كل شيء في العقد الأول من القرن الماضي مسرح إختبار. كل شيء: الإخراج. التصوير. التمثيل. المونتاج. الماكياج. الكتابة. كل يحاول التقدّم وكل يدلي بإسهامه في التجربة الفنية من دون تخطيط للبعيد. بل خطوة صغيرة كل سنة او كل بضعة إنتاجات٠ مدير التصوير (وكان أسمه في العشرينات وما سبق «كاميرامان»، ليس أكثر) كان مسؤولاً عن الإبتكار التقني قبل أن تكون الصناعة الخاصّة بالبؤر والعدسات والكاميرات قد وٌجدت. لكن الشيء المؤكد في سنوات السينما البكر في العقد الأول من القرن هو أن العلاقة الإبداعية بين المخرج ومدير التصوير بدأت، كذلك بدأت بينهما وبين المدير الفني فكل من المخرج ومدير التصوير أدرك باكراً أن الحاجة ماسّة لمن يعتني بـالمشهد لناحية الديكور والتصميم العام. كمثال، يشير مقال نُشر في السبعينات (ولا أذكر مصدره الآن) الى أن المخرج سيسيل ب. دميل، خلال تصويره فيلم «الخداع» |The Cheat سنة 1915 قد يكون أوّل من استخرج المعنى المحدد بعمل المدير الفني عندما قام بالطلب من أحد العاملين (ولفرد باكلاند) وضع بطليه أمام جدار في الخلفية. الجدار معتّم لكن هناك ضوءاً قوياً عليهما مع إضاءة تعكس خطوطاً متشابكة كقضبان نوافذ السجون.
|*| صوت ثقيل
هناك عنصر مهم في هذه النقلة عادة ما نمر عليه مروراً كريماً: في السينما الغابرة كان هناك فرق بين التصوير لفيلم من نوع معيّن (لنقل دراما عاطفية) وبين نوع آخر (الوسترن مثلاً)٠ مدير التصوير أخذ من ذلك الحين يُـعامل النتيجة المتوخّاة حسب النوع. الدراميات عادة ما يمنحها صورة أكثر تحديداً لما هو قريب كون الفيلم يقصد أن يمس القلوب، فإذا بها مسطّحة إذا ما قورنت بأفلام الوسترن حيث يُـترك المدى لتأليف عمق ما والمشاهد -معظمها- متوسّطة الى بعيدة٠
والكثير مما نعرفه اليوم بدهياً عن الكاميرا وحركاتها وتأثير الضوء وكيفية استخدامه لخلق شعور او انطباع معيّن، كان معمولاً به في تلك الآونة. إذا ما أخذنا، مثلاً، أفلام إريك ڤون ستروهايم في العشرينات كـ «جشع»|Greed (أفضلها)، «زوجات غبييات» و«وأزواج معميّون» نجد أن مدير تصويره بن رينولدز منح تلك الأفلام لعباً في الإضاءة قلّما شاهدناه قبل ذلك الحين. خلق ظلالاً لكي تعكس حالة، وعمد الى التناقض بين اللونين الأبيض والأسود والإضاءة المعتمة وتلك الواضحة لإيصال رسالة اجتماعية كما الحال في «مسيرة الزواج» سنة 1928.
ف. و. مورناو في آخر أعماله الألمانية قبل رحيله إلى هوليوود، وهو «فاوست» (1926) (كذلك في «الضحكة الأخيرة»، سنة 1924) بدأ البحث عن دور للكاميرا غير المتعارف عليه، مثل تحريكها لكي تساعد في دفع القصّة الى الأمام. هذا المنحى تطوّر حين أنجز في هوليوود »شروق« سنة 1927 ، وقد شاهدته قبل أيام قليلة للمرّة الثانية،٠
في النصف الثاني من العشرينات وما بعد زاد الإعتماد على أن يكون للكاميرا دور في تأليف الحكاية، وهذا لم يحدث في هوليوود فقط، بل كانت المساعي مشتركة بين ألمانيا وفرنسا (أفلام الفرنسي مارسل لاربييه مثل «صفحة الجنون» و«تقاطع طريق» مهمّة في هذا النطاق)٠
ويفيدنا التاريخ بأن هذا التطوّر تهدد حين نطقت السينما ذلك لأن تسجيل الصوت، في البداية، كان يتم عبر جهاز ملحق بالكاميرا وهو جهاز ثقيل الحجم أعاق الحركة وأعادها الى الشكل الستاتيكي السابق٠ لكن بعد سنوات قليلة (مع مطلع الثلاثينات)، تم فصل آلة الصوت عن آلة الكاميرا وتحررت الكاميرا من جديد.
